بين فاس والقيروان: هجرات متبادلة
لم تمنع الخلافات السياسية خلال أزمنة محددة من التاريخ,من قيام صلات بين إفرقية والمغرب الأقصى، ولم تنقطع عبر العصور. فسجلماسة كانت حاضرة علم قبل تأسيس فاس، وسافر علماؤها إلى القيروان للنهل من العلوم أخذين عن شيوخها، مدونين كتبها ومحدثين عنها باعتبارها المهد الأول للثقافة العربية والإسلامية بالمنطقة، تلتها مدينة فاس فكانتا بذلك ركيزتان للحضارة الإسلامية بالمغرب الكبير.
منذ تأسيس فاس وأهل القيروان يفدون عليها حتى استقروا بعدوة تحمل اسمهم إلى الآن، واستقرار القيروانيين بفاس جعلهم يربطون صلات اجتماعية واقتصادية مع أهاليهم بإفريقية، كما أن هنالك من المغاربة من توجه نحو القيروان قبل نضوج فاس فكريا بتأسيس القرويين فكان منهم من استقر بتونس وتوفي بها، ومنهم من عاد. مع خراب القيروان على يد الهلاليين بدأ المهاجرون من فاس يقلون لكن المهاجرين إلى فاس تضاعفوا.
أهل فاس بالقيروان:
من أعلام فاس المهاجرين إلى القيروان نجد البهلول من خواص مولاي إدريس وقد استماله الأغالبة للاستقرار هناك، إلا أنه رفض باعتبارهم كانوا رافضين وكارهين للأدارسة.
أبو ميمونة الدراس أستاذ بالأندلس والقيروان وسبتة، يعتبر أول من أدخل مدونة سحنون إلى فاس من تلامذته ابن أبي زيد القيرواني، كما يعتبر هو من نشر الموازية بالقيروان الفقيه عبد الرحمان الدراس ابن السابق.
أبو عمران الفاسي من أعلام فاس والقيروان الذي يقال أن المثل التونسي: مشكلة لا يفكها إلا قاضي فاس قيل عنه. هو أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي الفاسي، ولد بفاس سنة 356 هـ/ 975 م وبيته معروف. وقد تلقى تعليمه الأول بمدينة فاس، لكن خلافه مع الولاة الزناتيين جعله يخرج منها ويذهب إلى القيروان، فاستقر بها، وفيها تفقه على أبي الحسن القابسي وغيره. ثم رحل إلى قرطبة فدرس على أبي محمد الأصيلي وغيره، ثم رحل إلى المشرق، وأخذ بمصر القراءات عن أبي الحسن عبد الكريم، وأخذ بمكة، ثم حج حجات كثيرة، ودخل بغداد سنة 399 هـ/ 1008م. وحضر مجلس القاضي أبي بكرالباقلاني: ثم انصرف إلى القيروان حيث عكف على الدرس، .نال شهرة جعلته كعبة الطلاب الذين يردون من أطراف البلاد. كان الإمام الباقلاني يقول: لو رأى مالك أبا عمران الفاسي والقاضي عبد الوهاب، لسر بهما.
أهل القيروان بفاس:
أما من أعلام أهل القيروان الوافدين على فاس فنذكر فاطمة أم البنين الصالحة المؤسسة لجامع القرويين مع أختها مريم مؤسسة جامع الأندلس و أبوهما من أعيان القيراون محمد بن عبد الله الفهري
أبو عبد الرحمان بكر بن حماد الزناتي التاهري: من العلماء بالقيروان استدعاه الأمير أحمد بن القاسم بن إدريس لزيارة فاس، وتصدر جامع القرويين لإملاء العلم والأدب سنة 274هـ/887م.
أبو الفضل يوسف بن النحوي التوزري ولد في مدينة توزر سنة 439 هـ وتلقى فيها العلم. ثم اضطر إلى هجرة مسقط رأسه. وبعد أن أقام مدة في القيروان هاجر إلى المغرب الأوسط ثم إلى المغرب الأوسط ثم إلى المغرب الأقصى. وأخيرا عاد الى المغرب الأوسط واستقر بقلعة بني حماد إلى وفاته. كان معدودا من رجال الفقه، ومن أهل التصوف، ومن الأدباء الشعراء وهو الذي اشتهر بقصيدته الاستغاثية السائرة في الأقطار المسماة بالمنفرجة. وله قصيدة في مدح فاس يقول في مطلعها
يا فاس منك جميع الحسن مستَرَقٌ وساكنوك ليهنأهم بما رزقوا
نشير إلى جماعة الشيوخ والعلماء الذين رافقوا الحاكم المريني أبا الحسن عند تقدمه على تونس سنة 748هـ. وقد ترك هؤلاء بصماتهم فدرسوا وأموا الناس في الصلوات، وأفتوا وناقشوا علماء تونس، وأدخلوا بذلك حركية فكرية في كامل المنطقة.
ونشير كذلك الى المؤرخ عبد الرحمان بن خلدون الذي خرج من تونس مرتحلا نحو فاس، وأفاد واستفاد في المجال العلمي مدة إقامته بفاس.
إن الحرية الفكرية و الثقافية بجامع الزيتونة والقرويين كانت هي الأرض الخصبة لإنتاج علماء ذاع صيتهم بالمشرق والمغرب، كما ساهمت الرحلات العلمية في التبادلات الثقافية بين البلدين الشقيقين، مما رسخ التقارب الثقافي-العلمي مكملا بذلك التقارب والتكامل الاجتماعي السابق له.
بقلم: إلياس أقراب
المصدر: من هنا