لهجة أهل فاس العريقة
بين أزقة ودروب العدوتين وبين باب السمارين وباب الملاح، مجتمع كان قائما بكل مكوناته العرقية، الثقافية واللغوية. هاته الأخيرة التي تعتبر حركية ووصفية لمدى الترابط بين مكونات المجمتع الفاسي، الذي تعتبر لهجته المميزة من أقدم اللهجات الحضرية في بلاد المغرب الأقصى.
تتوفر الحاضرة الإدريسية على رصيد مهم من الكلمات الدقيقة الحاملة لتهذيب وتنوع يبرز في جعل كل كلمة تحمل معنى له جمالية خاصة ومتعارف عليه بين أهل فاس، الذين كان يضرب بهم المثل في حسن اختيار الكلمات، ولذوقهم في ذلك. الكلمات التي رحلت الأن مع أهلها وكما قيل في المثل الفاسي: "مشا زقاق الحجر في التراس". فما ذنب هذا الإرث اللغوي العظيم حتى يضيع بسبب ظاهرة العولمة، التي جعلت جميع أبناء هذا الجيل في قالب واحد لم يعد ينطق إلا بكلمات دخيلة على لهجة المغرب الأقصى عامة، وأصبح مقياس التحضر عندهم هو مدى معرفتك لهاته الكلمات بجيدها و قبيحها.
سنحاول في هذا المقال جمع الشتات، إن صح القول، وجمع بعض من الكلمات التي تعتبر في طور الانقراض إن لم نقل أنها انقرضت فعلا، إلا عند أشخاص عرفوا قيمتها فحافظوا عليها وعلموا أبناءهم من قاموس أجدادهم، لعل المجد يأتي على يد الأحفاد والأسباط كما كان ذلك عند أيام الشدة التي أصابت فاس وأهلها، فأحيى شبابها مجد أسلافهم.
كانت الأسرة الفاسية أسرة ممتدة تضم الأب وزوجته، أو أكثر، مع الأبناء والأحفاد و الأصول من جدات وعمات وخالات أحيانا. وبما أن احترام وتقدير الكبار من الخصال المغربية الأصيلة، كان لزاما أن يتم اختيار ألقاب توقير واحترام لكل فرد من أفراد الأسرة، قريبا كان أو بعيدا.
أفراد العائلة عند أهل فاس:
الأب: بابا بترقيق الباءين
الأم: يما
الجد: با سيدي
الجدة: مي لالة
الأخت الكبرى: لالة خيتي
الحماة: حماتي
الحمو: حمايا
أخ الزوج: اللوس
زوجة أخ الزوج: النوطة
أخت الزوج: اللوسة
الحفيد: الحفيض
ابن الحفيد: اللبيط
حفيد الحفيد: مسمار الميدة
الحفيد من الدرجة الخامسة: دقاق الوتد
المربية: دادا
زوجة العم أو بعض القريبات: عوينتي/ حبيبتي...
الخال: حبيبي
ولعل أشهر لقب عرفه المغاربة أجمعين هو لالة حبي، الذي يعني حبيبتي. وتنادى به غالبا امرأة واحدة تكون قد حازت محبة الكل و جعلت مكانتها في قلوب من بالدار. كذلك هناك مصطلح العاتق أو العويتقة، كدأب الفاسيين على تصغير الأشياء، ويعني الشابة غير المتزوجة والتي تكون قد وصلت سن الزواج.
تعيش هته الأسر الفاسية عادة بمنازل لا تضيق بأهلها وإن كثروا، كحاضرتهم العزيزة. وتضم هته الدورتقريبا نفس التصميم العام المتمثل في فناء عار بوسط الدار، تحيط به غرف بالطابق سفلي وأخرى بالفوقي، تطل عليه عن طريق ممر. ويتم الوصول إلى الفوقي عن طريق درج دأبت العادة ألا يأخذ مساحة كبيرة في التصميم ويفضي إلى الطوابق العلوية والسطح، المكان الحر الذي كان فضاءا نسائيا بامتياز. هذا التصميم خاص بالدور المسماة حاليا دار بلدية بينما يوجد بفاس منازل واسعة تضم أكثر من فناء وتطل على مكان ظليل مشجر وتسمى هاته الدور بالرياض جمع روضة أي الجنان وتعني دار في وسط عرصة. تختلف الدور الفاسية في الزخرفة بالزليج والنقش على الجبس أو الخشب، كما تختلف في الأفرشة وأنواعها، لكن يبقى الجوهر واحدا وتحتفظ الغرف بأسمائها عند الجميع، ما عدا في بعض الحالات. و قد فصل الأستاذ محمد التهامي بنيس في مقاله "بيوتات فاس والغنى اللغوي" كل هذا بينما نحن نكتفي هنا بإيراد بعض المصطلحات التي لا تعرفها إلا الحاضرة العلمية.
بوز الدار: يعني الفناء العاري بوسط الدار وهو ساحة البيت أو كما يقال أحيانا: قلب الدار لأنه كان الساحة النابضة لنساء الدور القديمة
الحلقة: هو الفناء الذي عن طريقه يمكن أن يصل الضوء إلى السفلي وتكون مربعة في أغلب الأحيان. هي ما يعرف بالضواية بمناطق أخرى
النبح: الممر بين الغرفة والفناء بالفوقي وهو الذي يكون في الدربوز
الدربوز: الحاجز الذي يرتفع غالبا إلى نصف قامة الشخص ويكون حدا للنبح من الجهة المطلة على بوز الدار, يتكون من شباك حديدي أو خشبي يسمى "الموشرابي" حسب الأستاذ بنيس
الشواف: الطلال والشناشل كلها تعني نافذة شباكية صغيرة تقع بالدرج غالبا وعبرها يمكن رؤية من الزائر لكن مع بعض الاختلافات في طريقة الصنع فذات الشباك الحديدي هي الشواف والخشبي المنقوش شناشل أما الطلال يكون من خشب مفتوح من الأسفل على الباب فقط والشرافة هي الكوة المفتوحة دون غطاء
الصطوان أو المرح: هو أول فضاء يلقاك بعد الدخول من الباب ومنه يمكنك الدخول إلى بوزالدار أو المصرية إن تواجدت
المصرية: الغرفة التي تكون مستقلة عن قلب الدار وهي عبارة عن غرفة للضيوف تكون بدرج مستقل أحيانا أو مجرد غرفة بالصطوان يمكن استقبال الضيوف فيها دون أن يعرفوا ما يحصل بالدار وكانت مفيدة عندما كانت النساء يحتجبن وكلما احتاج أحد المرور بقلب الدار إلا وطلب "حق الطريق" أما المصرية فتفضي مباشرة إلى الصطوان ومنه إلى الزقاق
الخوخة: هي الباب الصغيرة التي تتوسط الكبيرة وتكون سهلة الفتح و الإغلاق عكس الباب الكبيرة
الخزين: مصطلح تفرع عنه العديد من المصطلحات فهو القوس إن كان لخزن الأغطية- أيام الشليمان والكز- والطارمة إن كان لخزن و" تخباع" الزيت وغيره. الخزيزن أو الخزين يكون غرفة مستقلة بينما القوس والطارمة والسقلبية يعوضان مصطلح السدة بالمناطق الأخرى.
المنزه: غرفة بالسطح عند بعض العائلات تشرف على نظرة شاملة أو جزئية لمدينة فاس
الصالون المغربي أو بيت الضياف هو مثال حي عن مدى مهارة الصناع المغاربة في كل المجالات من خياطة و نجارة ونقش.. بغرفة الضيوف هناك الطليق المعروف بالسداري في المناطق الأخرى و يكون محشوا بالصوف الجيدة مغطى باللحوف أو طلامط من موبر و بهجة وخريب عليه خديات من طرز الغرزة .يحمل الطليق عن الأرض مرتبة خشبية تسمى المطربة أو مضربة تكون من الخشب الجيد المنقوش أو الأرابيسك, هناك السرمبية وهي كالكرسي المحشو بالصوف.
أما المطبخ الفاسي الذي كان طبق عليه "كشينة" فهو سائر المطابخ المغربية إلا أنه مميز ببعض الوجبات أو الشهيوات كقدرة تويمية والروز بو فلفل و قمامة وغيرهم من الوجبات الشهية التي انتشرت في سائر ربوع المغرب وعلى رأسهم البسطيلة بالدجاج و النوى. النوى الذي يعني اللوز عند أهل فاس بينما الجوز يسمى الجوز لكن بالجيم الساكنة المصرية عكس باقي المناطق التي تسميه الكركاع. بالمطبخ الفاسي هناك اللقيم وهو نوع معين من السفرجل, القنارية نوع محدد من الخرشوف و زيتون مسلالة ما هو إلا الزيتون المصنوع بالمنزل والدويدة هي الشعرية المنزلية كما كان هناك ما يعرف بأدغس أي اللبى. كما يوجد هناك فرق بين الزلافة والجبانية عند الفاسيات بينما خارج أسوار المدينة فهما يعنيان نفس الشيء, الغطار هو الصحن النافخ يعني المجمر والشوكة تسمى بالمتيقة أو المتيأة عند من ينطق القاف ألفا على عوائد أهل الأندلس .
خارج البيت الفاسي المتول والمسمق، ووراء أسواره الحجرية الصامدة، تدب الحياة في الأزقة والدروب كل واحد فيها يضم بينه صناعة محددة ازدهرت ونمت بالحاضرة العلمية. فبين أبارين وعطارين هناك دور الدباغة والقطانين والصوافين، وكل مهنة يمكن أن تخطر لك على البال، حتى (الطرافين) أو الإسكافيين كانوا بين أزقة فاس، ومن كل هاته المهن هناك مهنة حملت لقبا فاسيا خالصا هي "ازرزاي" التي تعني حمالا وهي مهنة كانت منظمة ولها أمينها الذي يراقبها.
بفاس، مهد الحضارة في المغرب الأقصى، كان بإمكانك أن تمر من الطالعة وأنت تسمع المعلم يقول لمساعده: "قوم ارفد السخرة وعبيها للمعلم فلان منها نيت تصقصيه شنو عمل فالحويجات لي وصيتو عليهم، وا بادر أ ولدي و سبڭ، الله يمتعك فالرضا".
كلمات ومصطلحات فاسية منها ما اندثر ومنها ما بقي، لكن حتى طريقة النطق ومخارج الحروف قد تغيرت. كيف لا وهي ترى من اعتنوا بها قد راحوا، فأين الخاصة بالسؤال كانت تنطق "فاين" بإطالة الألف مدا خفيفا.
حتى بعض الحيوانات والحشرات حملت مصطلحات لن تسمعها إلا بفاس ،كبودارع (الصرصور) وبوقفاز والقطوط (القطط) التي بقيت عربية خالصة بينما المش هي المنتشرة في باقي حواضر المغرب.
تبقى هاته المصطلحات القليلة لا توفي اللهجة الفاسيةحقها، ولا تظهر إلا جانبا مشرقا من لوحة فنية خطها أجدادنا، ولكنها بدل أن تعلق بوسط الدار وبكل افتخار جمعت في الأماكن المنزوية المظلمة منتظرة أجلها.
هي لهجة لها جماليتها وخصوصياتها، كسائر اللهجات المغاربية والمغربية التي في طريقها إلى الزوال، لتحل محلها كلمات دخيلة، لا تحمل بين حروفها ولا لمحة من جمال مادي أو معنوي.
بقلم: إلياس أقراب