الاستيلاء على فاس: عندما دخل الترك مدينة فاس بطلب من السلطان الوطاسي
لطالما سعت الدولة العثمانية منذ نشأتها أن تسيطر على مزيد من الأراضي وتوسيع مساحة إمبراطوريتها التي بسطت سيطرتها على معظم البلاد العربية، لكن المغرب بقي حجرة عثرة أمام مطامع الأتراك وطموحاتهم، واستمات السعديون في الدفاع عن أحقيتهم في الخلافة اعتبارا لنسبهم الشريف، الذي كان بالنسبة لهم أهم مقومات الأحقية في الخلافة.
الفكرة الشائعة عندما نتحدث عن تاريخ الإيالة الشريفة أن الدولة العثمانية لم تطأ أرض المغرب قط، لكن الحقيقة أن الوطاسيين كانوا موالين للعثمانيين ويمجدون سلاطينهم من منابر فاس.
تفاصيل الحكاية تعود بنا إلى صعود الدولة السعدية وقتالها للوطاسيين من أجل تثبيت أقدامها في البلاد والسيطرة على مدينة فاس عاصمة الوطاسيين، في المقابل استعان الوطاسيون بالدولة العثمانية التي كانوا يوالونها ومجدون سلطانها. فقد استولى السلطان السعدي أبو عبد الله الشيخ على مدينة فاس سنة 956هـ، فقبض على الوطاسيين وأرسلهم مكبلين بالأصفاد إلى مدينة مراكش. عدا أبا حسون الذين فر إلى الجزائر مستنجدا بالأتراك من أجل استعادة ملك أجداده الذي سلبه إياه السعديون.
ذكر صاحب "الاستقصا" أن السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ كان يعز عليه استيلاء الترك الأجانب على المغرب الأوسط مع أنهم دخلاء فيه. فقرر مباغثة الترك قبل أن يباغثوه، فقرر محاصرة تلمسان مدة 9 أشهر إلى أن استولى عليها يوم الإثنين 23 جمادى الأولى سنة 957هـ، ودانت له البلاد ونفى الترك عنها. وبعد مدة من حكمه لتلمسان عاد الترك ليخرجوه منها فعاد إلى مقره في مدينة فاس، ثم عاود غزوها ولكنه لم ينجح في دخولها فقرر العدول عن قراره وخلص أمرها إلى الترك.
في يوم 3 صفر من سنة 961هـ/ 1554م، عاد أبو حسون الوطاسي الذي فر سابقا إلى الجزائر راجيا مساعدة السلطان "سليمان القانوني" مرفوقا بالباشا التركي صالح التركماني وجيش العثمانيين واستولى على مدينة فاس ونفى محمد الشيخ عنها، وقيل في "الدوحة" أنه استولى عليها سنة 960هـ. وعاد بهذا الحدث حكم فاس للوطاسيين تحت سيادة الدولة العثمانية.
جاء في "نزهة الحادي" أنه بعد عودة أبي حسون إلى فاس فرح أهلها بعودة سلطانهم واستبشروا بقدومه، ولم يلبث إلا يسيرا حتى كثرت شكاية الناس له بالأتراك، وأنهم مدوا أيديهم للحريم، وعاثوا في البلاد. فبادر بدفع ما اتفق معهم عليه من المال لهم وإخراجهم من فاس، وتخلف منهم نفر يسير.
لم يستمر حكم أبي حسون ومعه الأتراك لفاس سوى بضعة أشهر قبل أن يجمع"أبو عبد الله الشيخ" الجموع ويستنفر القبائل ويعبئ الأجناد، ويعود لمحاربة أبي حسون فيقتله ويسترد فاس من العثمانيين بعد حصارها، وتم ذلك يوم السبت 24 من شوال سنة 961هـ.
بعد سيطرتهم على فاس، وتثبيت حكمهم للمغرب الأقصى، قرر السعديون عدم الانحناء للأتراك ورفضوا السيادة العثمانية على بلادهم، وحالوا دون تسرب نفوذ العثمانيين إلى المغرب. لكن محاولات العثمانيين لإتباع السعديين والمغرب الأقصى لهم لم تنته عند هذا الحدث، وحاولوا مرارا وتكرارا الظفر بفاس التي كانوا يرونها مفتاحا للسيطرة على المغرب الأقصى، إلا أنهم منيوا بالهزيمة في معركة "وادي اللبن"، فتبخرت بذلك أحلامهم وتحطمت على صخرة دولة مغربية قوية هي دولة الأشراف السعديين.
الباحث: الطيب عيساوي
المصادر:
الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (الدولة السعدية)، الجزء الخامس، تحقيق وتعليق: جعفر الناصري ومحمد الناصري، ص 24 و25 و28.
محمد الصغير الإفراني، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تقديم وتحقيق: عبد اللطيف الشادلي، ص 73 و74.
عبد المنعم الجميعي، الدولة العثمانية والمغرب العربي، موسوعة الثقافة التاريخية والأثرية والحضارية، دار الفكر العربي، ص 62.