مكونات المجتمع الفاسي العرقية خلال مطلع القرن العشرين

مكونات المجتمع الفاسي العرقية خلال مطلع القرن العشرين

لا يوجد أي إحصاء رسمي خلال مطلع القرن العشرين لعدد ساكنة مدينة فاس، بل هناك تقديرات فقط تصب أدقها في أن عدد ساكنة فاس يقترب من 100.000 نسمة. وكان المجتمع الفاسي يتشكل آنذاك من عدة عناصر ثقافية وإثنية ودينية، منهم من أصولهم ضاربة في القدم، ومنهم من هاجر لمدينة فاس منذ فترة قريبة، بغرض الاستقرار أو العمل. وسنحاول في هذا المقال الحديث عنهم وذكر بعض صفاتهم وأنشطتهم، وأعدادهم إن توفرت.

قبل أن نستفيض في الشرح ونغوص في التفاصيل، ينبغي أن نوضح شيئا مهما يتصل بمصطلح "أهل فاس"، فهذا الوصف حسب تعبير "روجي لوطورنو" لا يعمم على كل من يسكن مدينة فاس، بل يقتصر على من لهم فعلا بها حق المواطنة لاستقرارهم بها منذ أجيال. ويضيف: "نصادف في المدينة أشخاصا أو مجموعات عرقية لا يعترفون لأنفسهم بخاصية فاسيين ويقولون "أهل فاس" وهم يتحدثون عمن يعيشون بجوارهم، كما لو كانوا يتحدثون عن غرباء".

كان سكان فاس عند مطلع القرن العشرين ينقسمون إلى عدة أقسام، أولهم "أهل فاس" وهم سكانها الأوائل من أهل القيروان والأندلس والذين هاجروا إليها خلال حقب متعددة.، وثانيهم بدو القبائل العربية المنتشرة بضواحي فاس: كأولاد الحاج، والشراردة، وشراكة، وحميان، وأولاد جامع، والحياينة، وجبليو الشمال، المعروفون عادة بـ "جبالة" المتخصصون في الأشغال البستانية وتحضير زيت الزيتون.

ينضاف إلى هؤلاء مجموعات بربرية كانت تزاول مهنة الحمالين أو "الزرزاية" الذين لم ينسجموا قط مع المجتمع الفاسي رغم وجودهم بفاس منذ عهد الأدارسة (حسب بعض المصادر)، وتحدث عنهم "ليون الإفريقي" في أوائل القرن السادس عشر، ومعظمهم قدم من مناطق ملوية وكيز الأعلى، وكانت أعدادهم تقارب 300 شخص. كما عاش بفاس قبل الحماية مجموعة من أهل سوس أصحاب المطاعم البسيطة أو البقالين، وتنضاف إليهم مجموعة أهل توات البربرية الصحراوية ذوي البشرة السمراء والبنية الجسدية القوية، الذين كانوا يبيعون الفحم، أو كانوا يتعاطون لتجارة البقالة أو السحر والتنقيب عن الكنوز والعرافة، كما عملوا كبستانيين وسقائين وحراس وحمالين بالفنادق، وعمال بمخازن الزيت والسمن. وأخيرا دراوة المنتمون لقبائل وادي درعة، الذين كانوا يشتغلون كبنائين وسقائين.

لا ننسى "فيلالة" وهم من المجموعات الكبرى التي كانت تعيش بفاس آنذاك، وكانت فاس مقصدا دائما لهجراتهم، وخاصة في سنوات الجفاف. فمنهم الفقراء الذين طردهم الجوع، ومنهم العلماء والصلحاء المرموقين وطلاب القرويين، ومنهم التجار والصناع والبغَّالين. وكان الشرفاء الفيلاليون ينزحون لمدينة فاس بأعداد كبيرة.

ومن بين الجاليات الأجنبية المستقرة بفاس والمحتفظة بأصالتها وبشيء من استقلالها الذاتي، هناك الجزائريون الذين كانت أعدادهم كبيرة ويحتلون مكانة مرموقة في المجتمع. وجاء الجزائريون لفاس عبر موجتين من الهجرة، فالأولون هاجروا إليها لأسباب سياسية، حيث جاء بعضهم سنة 1746 عندما ثارت تلمسان ضد يوسف باي ثم أيضا تحت حكم مولاي سليمان عند ثورة أبي الشريف، ومنهم أسرة المقري.

ثاني الهجرات الجزائرية كانت من غرب الجزائر بعد الغزو الفرنسي للجزائر، ومعظمهم من تلمسان، ثم معسكر، ومستغانم ووهران، وكان عددهم يتراوح بين 4000 إلى 5000 شخص. وقد خصهم مولاي عبد الرحمان باستقبال حسن ومنحهم شبه استقلال ذاتي استمر حتى سنة 1906، وكان لهم نقيبهم. كانت هذه المجموعة منفصلة شيئا ما عن محيطها، ويتزوجون فيما بينهم ويحتفظون بلهجتهم وأسلوب عيشهم، ويزاولون بالخصوص مهن النساجين والخرازين والقهواجيين.

بحي الملاح كان يسكن اليهود منعزلين عن باقي سكان فاس، وهم أربعة أقسام:

1- اليهود المقيمون في فاس منذ التأسيس، وأصلهم مجهول، هل كانوا يهودا نزحوا من فلسطين أو بربرا متهودين؟

2- بربر متهودون ليس لهم أسماء عائلية وإنما يدعون بأسمائهم الشخصية وأسماء آبائهم، مثل رفائيل بن ميمون.

3- يهود قادمون من الأندلس بعد سقوطها، ومازال الكثير منهم يحملون ألقابا إسبانية، وهم كثيرون جدا وأهم عنصر بالملاح.

4- يهود من سوس، استقبلهم مولاي اسماعيل بفاس في أوائل دولته، وآخرون من تادلا جاؤوا في عهد مولاي رشيد سنة 1673.

كما كان بفاس فئة أخرى هم العبيد السود، وكانت أعدادهم تقدر بالمئات أو ربما الآلاف. كانوا يباعون في سوق النخاسة المدعو "البْرْكَة"، واشتهر من بين تجار العبيد آنذاك كل من "الحاج عبد الرحمان القصري" وكان يقطن في حرب البركة بحي القطانين، والمدعو "ابن كيران" الذي كان يسكن في كزام ابن برقوقة، والشريكان العمراني والصقلي. وكان العبيد يشتغلون في الأعمال المنزلية والرجال يشتغلون في الدور الكبرى كدور أعيان المخزن، بينما تشتغل النساء كطباخات ومرضعات وخادمات ومغنيات، وسرايا أيضا في غالب الأحيان. وكانوا يعاملون معاملة حسنة نسبيا ويضربون أحيانا أو يؤدبهم "الزرزاية" إذا ارتكبوا جرما حسب قول "روجي لوطورنو"، وبعد إلغاء الحماية بقي جميع العبيد تقريبا بفاس في أماكنهم.

نختم مقالنا بما قاله روجي لوطورنو حول التشكيلة الفسيفسائية لمدينة فاس وساكنتها، وكيف كانت على مر الزمان رمز قوة لهذه المدينة لا نقطة ضعف وصراع، إذ يقول: "العربي حمل معه نبله، والأندلسي رقته، والقيرواني مهارته، واليهودي حيلته، والبربري صلابته". 

الباحث: الطيب عيساوي

المصادر:

روجي لوطورنو، فاس قبل الحماية، الجزء الأول، ص 274-305.