الدار السفايرية في القرن السادس عشر

الدار السفايرية في القرن السادس عشر

اكتسبت منازل المغرب على مر الأزمنة خصائص تجعل كل منطقة تختلف مع جارتها، مما جعل المغرب العربي مثالا في الاختلاف المحمود.  منازل فاس ودورها هي مضرب للمثل في كل المغرب، بأناقتها وتناسقها المعماري الذان يجعلان الباحث في هذا الميدان مشدودا دوما إلى ما خلف الأسوار الحجرية المتقادمة التي تضم جواهر المدينة الإدريسية. للأسف أغلب الكتابات عن الدور الفاسية العظيمة هي من طرف مستشرقين، وأغلب تلك المنازل هي الآن مغلقة إما لأنها آيلة للسقوط أو سقطت بفعل الزمن، إلا من تدخلت أيادي القدر ورممته.                  فاس ليست مجرد مدينة بنمط عيش القرون المتوسطة، بل كانت ما قبل ذلك وأثرت في العصر الوسيط بمعمارها وفنها، كما يظهر ذلك جليا في منزل من المنازل العريقة بفاس بين جامع القرويين ومدرسة الشراطين-قلب المدينة النابض- حيث تتواجد الدور الكبيرة صاحبة الجاه والنفوذ. هناك بين الجامع والمدرسة انتصبت دار السفايرية المعروفة عند أهل فاس بدار الفاسيين. هاته الدار العظيمة كانت مهجورة وترثي أطلالها سنة 1967-تاريخ البحث في الكتاب- متكونة من طابقين وبفناءين واحد للدار الكبيرة والأخر بالدويرية الخاصة بالخدم.                                                                                                                                        

مجاورة لدار لزرق بدرب الشراطين التي يفصلها عنه مدخل ملتو معروف بالسطوان الذي يمنع من النظر إلى داخل باحة الدار حيث الحريم، ككل الدور الفاسية فالدار السفايرية تجذب الانتباه بعلوها المربع المحيط بفناء الدار المسمى "بوز الدار" المزين بالزليج الفاسي والمستدير على نافورة تتوسط الدار. بالسفلي تتقابل غرفتان فوقهما تقويس مشبك يسمى الشماسية، تحته باب الغرفة العريض المكون من دفتين خشبيتين منقوشتين كل منهما يفتح فيها باب صغير. تتشابه الغرفتان في التصميم تقريبا فهما طويلتان غير عريضتان ترتفعان إلى علو يصل إلى ثمانية أمتار منقوش بالجبس الملون يصل إلى حدود زليج الغرفة. كل طرف بالغرفة محدد من فوق بقوس جبسي ينزل من السقف كأنما يفصل مكان السرير عن باقي الغرفة من جهة اليمين، أما يسارا فهو يقسم الغرفة عن مكان تخزين يسمى الطارمة، وهو خزانة مصنوعة من الخشب المنقوش تتشكل من بابين .                       

تقع الغرفتان شمال وجنوب السفلي، أما شرقه وغربه فكل منهما يضم برطال يفصل عن ساحة الدار بعتبة مرتفعة وهو الجبص ينزل من السقف الطابق ليشكل قوسا عليه فيبدو كتجويف بارد صيفا. على مقربة من النافورة يقع الدرج المفضي إلى الطابق العلوي وإلى مكان يسمى بالعربية الطابق المسروق لأنه يقع بين السفلي والطابق الأول إلا أن أهل فاس منهم من يطرق عليه لقب المصرية، وبهاته الدار كان هذا الدور عبارة عن غرفتين شرقا وغريا تقعان فوق البرطالين بالسفلي. 

يتكون الدور الأول من أربع غرف متصلة برواق معروف بالنبح المحدود من جهة ساحة الدار المفتوحة بالدرابزين أو الدربوز الخشبي، يرتفع إلى نصف قامة الشخص ومزين مربعات حمراء وخضراء. كل الرواق مزين بالزليج ما عدا فوق الغرف حيث الشماسيات المشبكة المقوسة بينما نوافذ الغرف المطلة على الرواق مزركشة بالجبس الملون.           

بشكل مستطيل ولكن أكثر ضيقا تقع الدويرية مجاورة للدار الكبيرة، وهي متصلة بها بباب من السطوان أو قرب البرطال بالسفلي. تتكون الدويرية من المطبخ وبيت الصابون مع بيت الخزين، بينما الطابق الثاني هو غرف صغيرة للخدم أو للزاد الزائد عن الحاجة.

أسطح المنازل الفاسية تكون مفتوحة على كل المدينة، وتتميز دوما بعلو الحائط المطل على الزقاق، بينما الحيطان المتصلة بالدور تكون قصيرة نسبيا. ومن الدار السفايرية يمكن رؤية منارة القرويين الشامخة شاهدة على زمن الأمجاد الذي ضاع كما ضاعت دار الفاسيين وعوضت بدار أخرى.

 

بقلم: إلياس أقراب

 

المصدر:

Page 90 : Demeures de Fès (XIV siècle- XVII siècle) :Palais et demeures de Fès édition 1985 de l’ Institut de recherches et d'études sur le monde arabe et musulman, Éditions du CNRS