الڭراب (ساقي الماء) بفاس قديما
مهنة الڭراب أو ساقي الماء المتنقل هي مهنة قديمة كانت موجودة بكثرة في مدينة فاس، وكان يقدم هذه الخدمة مجانا أو مقابل أجر بسيط، ويتواجد عادة في الأسواق والمقابر، وتعود تسمية الڭراب نسبة إلى حمله لقربة الماء.
يظهر في الصور بملابس عادية وبسيطة، وقليلة الزركشة، لكن مع مرور الوقت، وبعد الاستقلال طرأت تغييرات على ملابسه. وصار يتميز بهندامه المزركش، وملابسه الملونة غالبا بالأحمر والأخضر والأصفر، إضافة إلى سروال قصير وطربوش أحمر يقيه من حرارة الشمس وسمى "تارازا"، والجرس اليدوي الذي يقرعه من حين لآخر لجذب انتباه العطشى من المارة إليه، فضلا عن حقيبة صغيرة يضع فيها المال، ويحمل "قربة" مصنوعة من جلد الماعز يحفظ فيها الماء، وكؤوس نحاسية بأحجام مختلفة.
في مدينة فاس كان الڭرابة (جمع ڭراب) الذين غالبا ما كانوا ينحدرون من منطقة وادي درعة، يشكلون لجنة ترعى مصالحهم، وتسير من طرف أمين، ويكون الانضمام لها عبر اقتراح الشخص من طرف اثنين من الڭرابة السابقين.
وعلى الرغم من توفر العديد من المنازل في فاس على الماء، إلا أنه كان نادرا ما يكون نظيفا وفي الأحياء الفقيرة. وكانت أغلب المنازل وخاصة المحلات التجارية تفتقر للماء. كان الشارع، والسوق، والمقبرة، والساحات تفتقر إلى الماء، ولهذا يأتي دور الڭراب ليضع الماء في متناول الفقراء، وأصحاب المتاجر والمارة.
كان الڭراب يتجول من الصباح إلى المساء في الأحياء التي تم تعيينه فيها، حاملا معه قربته المصنوعة من جلد الماعز على ظهره، قارعا جرسه للفت انتباه المارة. وكان يملأ قربته حين تفرغ من العين أو النهر، وكان الفقراء وبعض النساء والأطفال يشربون دون دفع المال له.
لحسن الحظ لساقي الماءعدد من الزبائن المخلصين، الذين يطلبون منهم توفير المزيد من المياه لاستخدامات أخرى. كأن يطلبوا منه يوم الجمعة إفراغ قربة الماء على القبر لتنظيفه. وكان الڭراب يفضل فصل الصيف لأنه يعمل فيه بكثرة، عكس فصل الشتاء وشهر رمضان الذي يعاني فيه من صعوبات مادية بسبب ندرة الزبناء.
أحيانا كان بعض الأشخاص الكرماء يدفعون لساقي الماء مالا مقابل كل كمية الماء التي لديه، على أن يوزعها على الناس دون مقابل، فيصرخ الڭراب قائلا: "ها لما للسبيل" "الله يرحم مول السبيل"، فيقترب منه الفقراء بغية شرب الماء، ويشربون جميعهم من نفس كوب الماء.
نادرا ما كان يشاهد الڭراب في حي الملاح اليهودي، على عكس المدينة القديمة، لأن سكان الملاح كانوا يحصلون على الماء من السقايات التي تغذيها عين اعمير، أو من الآبار التي تتواجد في كل البيوت بحي الملاح.
لم يكن رجال الإطفاء موجودون في فاس في بداية القرن الماضي، وفي حالة نشوب حريق في المدينة العتيقة، كانت السلطات والشرطة المحلية تناشد الڭرابين والدباغين من أجل إخماد الحريق.
في حالة نشوب حريق في حي الملاح، ينادون الڭرابين المسلمين، بمساعدة من الحمالين اليهود والمتطوعين، من أجل سحب المياه من منبع برج سيدي بونافع لإخماد الحريق.
المصدر: من هنا