جامع الفناء: الجامع الشبح

جامع الفناء: الجامع الشبح

يقصد مراكش زوار من كل ربوع المغرب وكل أصقاع الأرض، نظرا لشعبيتها الكبيرة، ومعالمها التاريخية الرائعة، وصيتها السياحي الذائع. ولا يمكن للزائر لمدينة مراكش أن يبدأ رحلته دون زيارة ساحة جامع الفناء الشهيرة، حيث تجتمع أطيب الأكلات وتختلط الثقافات، وتمتزج الفكاهة بالموسيقى والفن والضيافة المراكشية. إلا أن هذه الساحة العالمية تحمل اسم جامع حار كثيرون في تحديد ماهيته، واختلفت حوله الروايات والتفاسير.

رحلة البحث عن أصل تسمية ساحة جامع الفناء بهذه التسمية تقودنا للعديد من الروايات الزائفة، ومجموعة من القصص الخيالية المتداولة شعبيا وفي المنابر الإعلامية التي لا تتحرى الدقة، لكن موقع "الرابطة المحمدية للعلماء" الموثوق يقدم روايات تاريخية رصينة، ارتأينا إعادة نشرها كي تعم الفائدة.

حيث يرى السيد كولان أن الذي يبدو راجحا هو أن أصل اسمها من عبارتين فصيحتين انتقلتا مما من الفصيح إلى الدراج فتولد عنهما اسم جامع الفناء.
أما الأول فهو جامع الفِناء بكسر الفاء، أي الساحة والرحبة. ومن الممكن التسليم بأن ساحة كانت من غير شك بين يدي قصر المرابطين القريب من هناك، وبأن مسجد الكتبية الموحدي أو مسجدا آخر قد أخذ اسم الساحة لندرة هذه الحالة؛ لكن هذا الافتراض لا يدعمه نص.
وأما الثاني فهو جامع الفَناء بفتح الفاء، أي مسجد الإفناء والخراب؛ وهاهنا إشارة من مؤرخ سوداني من منتصف القرن السابع عشر تدعو إلى الاعتقاد أن هذا الأصل أقرب إلى الصواب. قد عقد الكاتب فصلا كاملا للمآسي التي ضربت دولة المغرب على عهد السعديين، "جزاء لما عاتوا من فساد في تمبكتو". وفي الفصل المذكور قوله: "أوقد أدركت أن الأمير السلطان مولاي أحمد  أنشأ بناء الجامع، ووضعه وضعا عجيبا فسمي بذلك جامع الهناء؛ ثم شغل عنه بترادف تلك المحن، ولم يكمله حتى توفي؛ فسمي جامع الفناء . وفي 1930 عبر السيد كولان عن أمله في إنجاز أبحاث للعثور على آثار هذه المعلمة المفترضة؛ لكن هذه الأبحاث التي لا تتحقق إلا بالتنقييات لم تتم؛ فاكتفى بالإشارة إلى أربعة مراجع غربية تجعل الأحداث المثمار إليها أكثر احتمالا:
أ- يبدو أن اسم جامع الفناء صار شائعا منذ القرن الثامن عشر، لأن أحد بربر الأطلس يستعمله دون شرح عند حديثه عن مقتل بودربالة برصاصة، وبودربالة هذا مثير شغب.
ب- نشر الملازم واشنطن سنة 1830 تصميما لمراكش وضع فيه غربي ساحة جامع الفناء مسجدا سماه جامع وأتبعه: خراب بين معقوقتين.
ج- أوضح كاتل في رحلته إلى المغرب المؤرخة بسنة 1862 أنه "يجتمع بساحة جامع الفناء من لا شغل لهم... وهناك شرع أحد سلاطين بني مرين في تشييد مسجد".
د- في سنة 1864 كتب سفير أسبانيا بالمغرب قصة رحلته إلى مراكش وأرفقها بتصميم كثير الأخطاء، لكن به في الجهة الغربية من ساحة جامح الفناء العبارة الآتية: "أطلال مسجد قديم".
يتضح إذن أن الترجمة السليمة لعبارة جامع الفناء ينبغي أن تكون: ساحة الجامع الفاني، أي المسجد الخرب.

المصدر: https://www.arrabita.ma/museums_cartes/cartes/marrakech/pages%20web/%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9%20%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D8%A7.html