غارات الفايكينغ على المسلمين في الأندلس
تحكي الكثير من الروايات عن مغامرات قبائل الفايكينغ الذين شنوا عدة حملات على إنجلترا وفرنسا وعدة مناطق في القارة الأوروبية، وعرفوا ببأسهم الشديد في الحروب وعنفهم وهمجيتهم حسب معظم الروايات التاريخية. لكن أطماع الفايكينغ في التوسع ورغبتهم في النهب والسطو على كنوز الغير لم يكن لها حد، لذلك توجهوا جنوبا نحو شبه الجزيرة الإيبيرية أو الأندلس الإسلامية، وشنوا عدة حملات عليها بين القرنين التاسع والعاشر ميلادي.
أسباب الإغارة على الأندلس:
تتحدث عدة مصادر عن لعب الصدفة دورا مهما في وصول الفايكينغ إلى الأندلس، وأن عاصفة هي التي غيرت مجرى سفنهم وقادتهم إلى تلك الأراضي التي لم تكن لهم نية في غزوها، لكن العديد من المصادر كذلك تؤكد أن الفايكينغ "النورمانيين" كانوا على دراسة بمدى البذخ والرخاء الذي كانت تعيشه الأندلس، ومدى التقدم الذي وصلت إليه، ما دفعهم للتفكير في غزوها والسيطرة على خيراتها ونهب ثرواتها. "في غاراتهم ، لا بد أن الفايكنج قد سمعوا العديد من القصص عن ثراء وروعة الأندلس ، البلاط اللامع للأمويين في قرطبة" يقول إدواردو موراليس، مؤلف أحد فصول كتاب «الفايكنج في شبه الجزيرة الأيبيرية».
غارات الفايكينغ على الأندلس:
كانت مدينة إشبيلية مدينة مزدهرة وغنية بالثروات، وتبعد عن الساحل ب100 كيلومتر، ما كان يجعلها بعيدة عن أطماع الغزاة القادمين من البحر ويبقيها محصنة. إلا أن الفايكينغز وبعد مناوشاتهم الصغيرة في لاكورونيا، ومحاصرتهم لمدينة لشبونة مدة 13 يوما، حتى طردهم جيش المسلمين منها، ليتجهوا بعدها إلى قادش وصعدوا نهر الوادي الكبير، ونهبوا البلدات التي عثروا عليها وتسببوا في مذابح كبيرة حتى لا ينبههم أحد لوجودهم. فيما بعد هزموا المسلمين في معركة كابتال. بعد مجرى النهر، وصل ما يقرب من 4000 من الفايكنج إلى إشبيلية، في متم شهر شتنبر، وهرب الإشبيليون خائفين إلى كارمونا، كما روى المؤرخ الأندلسي ابن القطية في كتابه تاريخ فتح الأندلس.
ولكن بعد بضعة أسابيع وصلت فرقة من 16000 رجل من قرطبة أرسلها عبد الرحمن الثاني. وضع أمير قرطبة موسى بن موسى القاسي، أحد شخصيات ذلك الوقت، على رأس هذا الجيش.
بدأت الأحداث بهجوم قبائل الفايكينغ النورمان مدججين بفؤوسهم المعتادة على متن قواربهم الأربعة وخمسين على مدينة إشبيلية الأندلسية سنة 844م، حيث تمكنوا من اقتحامها وإلحاق ضرر كبير بمبانيها وبسكانها، وذلك في عهد عبد الرحمان الأوسط، الذي وفور علمه بالأمر أعد جيشا وخاض معارك ضارية معهم، بدعم من أرقى سلاح الفرسان الأموي، وتسبب المسلمون في خسائر فادحة للفايكنج، حيث أسر المسلمون 400 منهم وأعدموهم بعد هذه المواجهة. تم قطع رؤوس معظمهم وعلقت على أشجار النخيل في إشبيلية. ودُفن آخرون أحياء ورؤوسهم عارية لتدوس عليها الخيول. من ناحية أخرى، أشعل الأندلسيون النار في 30 سفينة من سفن الشماليين.
اعتنق عدد قليل من السجناء الإسكندنافيين الذين لم يتم إعدامهم الإسلام واستقروا كمزارعين. نتيجة للهجوم، أعاد عبد الرحمن الثاني بناء دفاعات إشبيلية وبنى سفنًا للدفاع عن ساحل الأندلس. وبالمثل، أنشأ نظامًا من السعاة على ظهور الخيل للتنبيه السريع للاعتداءات المستقبلية.
لقد أصابت هذه الحادثة حكام ومواطني إشبيلية بصدمة، لدرجة أنهم أمضوا جزءً كبيرًا من العقد التالي في تعزيز دفاعاتهم ضد أي هجوم محتمل في المستقبل. والأهم من ذلك، أن هذا يعني بناء قوة بحرية دائمة لأول مرة في الأندلس، وهو القرار الذي كان له دور فعال في تحويل الإمارة المسلمة إلى قوة أوروبية عظمى في القرن التاسع.
مكّن الأسطول المشكل حديثًا الأندلس من السيطرة على المضائق بين أوروبا وإفريقيا، وكذلك جزء كبير من البحر الأبيض المتوسط. أقاموا معقلًا مهمًا في جنوب فرنسا، والذي كان بمثابة قاعدة للغارات على طول نهر الرون، وسيطروا أيضًا على المياه حول مايوركا والساحل الكتالوني. سمحت هذه السيطرة على البحار للأندلس بالسيطرة على التجارة في المنطقة، سواء عن طريق نقل بضائعهم الخاصة أو من خلال الاستيلاء على مصالح المصالح المتنافسة.
استغرق الأمر أربعة عشر عامًا قبل أن يحاول الفايكنج العودة إلى الأندلس. هذه المرة، كان المسلمون جاهزين. في عام 858م، اعترضت البحرية المشكلة حديثًا قوارب الفايكنج الطويلة قبالة ساحل لشبونة بالبرتغال، مما أجبر الفايكنج على التخلي عن خططهم لمداهمة الوادي حول إشبيلية. ومع ذلك، لم ينسحب الفايكنج وسرعان ما غيروا خطتهم، واستمروا على طول الساحل الجنوبي لإسبانيا. لقد نهبوا مدينة الجزيرة الخضراء، وأحرقوا مسجدها واستولوا على كميات كبيرة من الكنوز. بعد أن طاردتهم البحرية، شقوا طريقهم حول الساحل الإسباني وأقاموا قاعدة لفصل الشتاء في جنوب فرنسا، في دلتا كامارغ.
في ربيع عام 859م، أبحر الفايكنج مرة أخرى باتجاه الأندلس، وقاموا بمداهمة مايوركا في طريق عودتهم إلى المحيط الأطلسي ورحلة العودة إلى الدول الاسكندنافية. ومع ذلك، كان الأمير الجديد - محمد الأول - قد توقع هذه الخطوة ولحق بأسطول الفايكنج بعد وقت قصير من مغادرتهم مايوركا. كان الفايكنج في وضع محفوف بالمخاطر، حيث كانت قواربهم الطويلة لا تتناسب مع السفن الوعرة التي بنيت لهذا الغرض من سلاح البحرية الأندلس.
بدأت الموجة الثالثة من هجمات الفايكنج في إسبانيا في عام 966. على عكس الموجتين السابقتين، تتكون هذه الموجة من عدة محاولات غزو. أهمها في عام 966، حيث شوهدت 28 سفينة من بلدان الشمال الأوروبي في Alcácer do Sal، بالقرب من لشبونة. تلا ذلك معركة بحرية انتصر فيها النورمانديون الذين أخذوا العديد من الأسرى. ومع ذلك، قام أسطول إسلامي من إشبيلية بمطاردتهم واستعادة جزء كبير من الأسرى. وبعد بضعة أشهر، اقتربت مجموعة كبيرة من السفن الطويلة من لشبونة، إلا أن الأندلسيين اعترضوهم، وكانت هذه آخر محاولة محبطة من دول الشمال لمهاجمة شبه الجزيرة الأيبيرية.
على عكس المناطق الأخرى مثل فرنسا أو إنجلترا، لم يكن للفايكنج تأثير كبير في إسبانيا، إذ لم يتمكنوا من استعمار الأراضي أو التأثير ثقافيًا. وفي غاليسيا جرى العثور على بقايا أثرية يُرجح أنها كانت معسكرا مؤقتا لمحاربي الفايكنج. ويعتقد بعض المؤرخين أن بعضًا من شعب النورمانيين بقوا في الأندلس وتحوّلوا إلى الإسلام واستوطنوا إشبيلية وعملوا في صناعة الجبن الذي تشتهر به إشبيلية إلى اليوم، وهذا ما يؤكده مقال لعمر مبيضين حيث يقول: "في نهاية المطاف، سيشتهر مجتمع الفايكنج المستقرين، الذين اعتنقوا الإسلام في جنوب شرق إشبيلية، بتزويد قرطبة وإشبيلية بالجبن".
المصادر والمراجع:
سعيد عبد الفتاح عاشور، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، ص 200.
https://barcovikingo.com/blog/vikingos-en-espana/
https://www.cyclefiesta.com/multimedia/articles/viking-raids-seville-spain.htm