قنطرة أبي برقوقة: البكاء على الأطلال

قنطرة أبي برقوقة: البكاء على الأطلال
شهدت مدينة فاس إبان الفترة الزناتية المغراوية تطورا عمرانيا ملحوظا، إذ كثر بنيانها، وارتفعت أسوارها، وربطت عدويتها. ولعل من بين أهم مظاهر هذه النهضة العمرانية على عهد الأمير دوناس بن حمامة ما شهدته المدينة من بناء للقناطر بين عدوتي القرويين والأندلس بغرض تسهيل الحركة داخل المدينة. ونذكر من بين تلك القناطر، قنطرة أبي برقوقة والتي عرفت لاحقا بقنطرة الرصيف، وقنطرة أبي طوبة، وقنطرة الرميلة، وقنطرة الصباغين أو الخراشفيين، وقنطرة باب السلسلة وتعرف حاليا بالطرافين، وقنطرة كهف الوقادين المعروفة باسم بين المدن.
هدمت مجموعة من هذه القناطر بفعل عوامل طبيعية كالسيول الجارفة ثم أعيد بناؤها وترميمها، ومنها ما بقي مستمرا إلى اليوم، وأخرى هدمت نتيجة اللامبالاة وعدم تقدير قيمتها التاريخية، ومن بين تلك التي هدمت قنطرة أبي برقوقة التاريخية.
تعد قنطرة أبي برقوقة واحدة من أولى القناطر التي شيدت بمدينة فاس، بغرض الوصل بين عدوتي المدينة، وشيدها الأمير المغراوي دوناس بن حمامة (431-452هـ/ 1040-1060م)، في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، ولعبت دورا مهما في تيسير العبور بين ضفتي وادي الجواهر، والجواز بين الأحياء الجنوبية لعدوة القرويين، وحي المخفية بعدوة الأندلس.
خضعت القنطرة لعدة ترميمات وإصلاحات على مر التاريخ، وتم تجديدها على عهد السلطان أبي الحسن المريني ،وصارت إذاك تحمل اسم قنطرة الرصيف.
جدد بناءها كذلك السلطان الوطاسي أبو العباس أحمد في منتصف سنة 951هـ/ 1544م، حسب ما يفهم من الأبيات التي وصف بها الفقيه أبو مالك عبد الواحد بن أحمد الونشريسي الإتقان والعلو الذي صارت عليه القنطرة:
     جسر الرصيف أبو العباس جدده         فخر السلاطين من أبناء وطاس
    فجاء في غاية الإتقان مرتفعا         لمن يمر به من عدوتي فاس
    وكان تجديده في منتصف عام غنا         من هجرة المصطفى المبعوث للناس
رممت القنطرة ومنحت حياة جديدة في عهد السلطان العلوي المولى رشيد سنة 1080هـ/1670م، على إثر السيل الذي هدمها إذاك، ثم رممت سنة 1115هـ/1704م على يد السلطان المولى إسماعيل، وفي عهد المولى سليمان رممت مرتين.
تعرضت القنطرة التاريخية للهدم إبان تغطية "واد بوخرارب" في مطلع سبعينيات القرن العشرين، وفقدنا بذلك معلمة تاريخية ورمزا حضاريا شهد على نمو وتطور مدينة فاس عبر الحقب، واستأثر باهتمام وعناية الملوك والأمراء الذين تعاقبوا على حكم هذه الحاضرة الإدريسية.
الباحث: الطيب عيساوي
المصادر: 
عدة كتاب، تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين: الثوابت والمتغيرات، الطبعة الثانية، 2012، ص 51 و53.
علي بن أبي زرع الفاسي، روض القرطاس، 1999، ص 55.