عادات وطقوس إحياء ليلة القدر بفاس

عادات وطقوس إحياء ليلة القدر بفاس

لليلة القدر دلالات روحانية ومعاني وجدانية عميقة في قلوب المغاربة، الذين يقدسونها و يحتفلون بها بعادات مختلفة لكن جوهرها واحد. وفي الحاضرة الإدريسية، تحظى ليلة القدر بطقوس خاصة تميزها عن سائر ليالي رمضان، بل و سائر ليالي السنة.

من أشهر العادات المتبعة بالليلة الفضيلة هي الاحتفال بالصوم الأول لرمضان عند الأطفال الصغار، الذين تحثهم أمهاتهم على صوم هذا اليوم المبارك، ليتم الاحتفال بهم على مائدة الإفطار وسط مباركات الأهل والأصحاب الحاضرين، ليشاهدوا الطفل الصغير أمس يصبح رجلا اليوم بإكماله أول يوم صيام له، فتتم مكافأته بأن يأكل بيضة كاملة عكس من صام نصف يوم فله نصف بيضة فقط. وهاته العوائد تحفز الأطفال وترسخ الانتماء الديني للطفل المغربي المسلم.

وإن كان الأطفال الذكور محط اهتمام أبائهم بتحفيزهم على الصوم و الحرص على أن يرافقونهم للمسجد وفي تلاوة القرآن، فالفتيات كن يحظين بعناية الأمهات اللواتي "يعرسن" بناتهن اللائي صمن اليوم المبارك، ويحرصن على تزيينهن بأجمل الحلي وإلباسهن أبهى القفاطين التقليدية. كما تشارك الفتاة في إعداد وجبة الإفطار لتنسى الجوع والعطش، وتتدرب منذ الصغر على القيام بالأشغال المنزلية.

قبل الأذان، يتحول فناء المنزل إلى مكان احتفالي بهيج لملائكة الأرض بملابسهم التقليدية، من جلباب وبلغة للذكور وقفاطين بحليها للإناث، وسط زغاريد الأمهات الفخورات. الكل يهنئ الصائمين وينفحهم بالهدايا والمال تشجيعا لهم وفرحة بهم. بعد الإفطار، تكون الليلة المباركة قد حلت لذلك يتوجه العابدون والعابدات إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، ويكون لهم شرف ختم القرآن بالمسجد. بينما من بقين بالمنزل يتكلفن بإعداد قصاع الكسكس لإرسالها إلى المساجد بعد الصلاة، ويبقين لتهييئ الدار حتى يستقبلن الأهل المحيين لصلة الرحم.

من بين الوصايا التي تنتشر في ليلة القدر أنه يجب إشعال كل أضواء المنزل، وألا يتم إطفاؤها إلا بعد الفجر. كما تحرص بعض النساء على إطلاق البخور في المنزل وسكب بعض الحليب بالمجاري، فرغم أن ليلة القدر ليلة الملائكة لكن الشياطين حسب اعتقادهن تخرج من مخابئها وتحرر في نفس الليلة، لهذا فيجب إبعادها من المنازل.

ليلة القدر هي أيضا بداية إخراج زكاة الفطر المسماة "الفطرة"، وهي كمية من القمح يعينها رب المنزل حسب عدد أفراد العائلة، توزع على المساكين والفقراء وتنتهي هذه العملية صباح عيد الفطر، حيث يكون لزاما الانتهاء من توزيعها.مع حلول أذان الفجر، يكون المصلون قد قاموا ليلتهم بالعبادة وتلاوة القران، كما يكون التعب قد نال من النساء بعد ليلة حافلة، لذلك يعم السكون الأرجاء إلى حين إعلان الشمس أن النهار قد حل، ومعه تبدأ النساء في الاستعداد للتوجه إلى المقابر، فكما للأحياء حقوقهم للموتى كذلك حقوق على ذويهم. لتعود الحياة بعدها إلى مجراها، و يبدأ الاستعداد في الأيام الباقية لتوديع رمضان واستقبال عيد الفطر.

لليلة القدر أجواؤها القدسية وطقوسها الخاصة بفاس خاصة، وبالمغرب عموما، لكن بعض عاداتها بدأت تلحق بعادة النفار وعلم يوم الجمعة أمام زخم الحياة و عصرنتها.

الباحث: إلياس أقراب

المصادر: 

فاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية، المجلس البلدي لمدينة  فاس. ص 48.
روايات فردية لسكان فاس القدماء.