دار عديل: قصر عريق يحتضن تراث الأندلس الموسيقي
لا شك أن مدينة فاس هي مدينة الدور الفخمة والقصور الجذابة بامتياز. فيها شيد الملوك مساكنهم، بين دروبها وأزقتها شيد الأغنياء والأعيان وكبار مسؤولي الدولة قصورهم ورياضاتهم التي تعتبر تحفا معمارية قل نظيرها في باقي مدن البلاد. هذه المباني التراثية تروي لنا قصص الماضي التليد، وتحدثنا عن عراقة وعظمة مدينة عمرها 12 قرنا ونيف.
في زقاق البغل وتحديدا في درب واد الرشاشة، قرب دور الأعيان وأثرياء المغرب، يوجد منزل عريق له صيت عالمي هو "قصر عديل" أو "دار عديل"، التي تحمل اسم مشيدها "عبد الخالق عديل" الذي بناها في أواخر القرن 17م، وهو أحد تجار المدينة آنذاك، الذي عينه السلطان مولاي عبد الله حاكما عليها. اعتبرت ثروة "عديل" كبيرة، وقام ببناء العديد من المباني والفنادق (منها فندق النجارين) والقصر الذي سكن فيه: دار عديل. وتتحدث بعض المصادر عن أن السلطان كان يخشى سلطته وصادر ممتلكاته وسجنه، قبل أن يطلق صراحه في وقت لاحق دون أن يسترجع قصره الذي بقي في ملكية المخزن.
في مرحلة من المراحل صار القصر وقفاً من الاوقاف، ثم وظف لدار السّكة ولختم الحلي والفضة والذهب، فحوّل بيتاً لخزينة الدولة (بيت المال). وفي عهد الحماية الفرنسية اختير في العام 1913 مقراً لمفتشية الفنون الأهلية مع تخصيص جانبه الغربي لجمع التحف النفيسة. وفي العام 1915 حوّل إلى مدرسة للبنات المسلمات، ومن ثم صار معهداّ للموسيقى. وبعدها هجر نتيجة تصدع بعض أجزائه. رمم القصر لاحقا سنة 1998 من طرف وزارة الثقافة وبدعم من منظمة اليونسكو، وحول إلى معهد للموسيقى افتتح رسميا في 18 فبراير 1999، بغرض إحياء الطرب الأندلسي. وبات يحتضن لاحقا عدة تظاهرات موسيقية أهمها مهرجان فاس للموسيقى الروحية.
تتميز دار عديل بعمارتها المتفردة وهندستها المميزة، إذ يطغى عليها التأثير الأندلسي. وتضم عدة غرف منها ثماني غرف كبرى، وهي غرف مستطيلة ذات أبواب ضخمة تعلوها أقواس مزخرفة، مساحتها 40 متراً مربعاً، وارتفاعها سبعة أمتار. تم ترتيب هذه الغرف في الطابق الأرضي والطابق العلوي حول فناء مستطيل، وتضم غرف عرض للحرف اليدوية. ويربط الطابقين سلمان، أحدهما مخصص لأفراد العائلة والثاني للضيوف. ويضم القصر دار الخزين ودور الخدم ومرفقا يعرف بـ"الدويرية".
خضع قصل عديل لعملية ترميم في عهد الحماية الفرنسية بين عامي 1916 و1917 بعد أن كان على مشارف الانهيار الكلي، شملت مدخله الرئيسي والأرضية والأعمدة والأسقف (خاصة أسقف طابقه العلوي). وعملية ترميم ثانية في نفس الحقبة في العام 1918، شملت تثبيت وتقوية طابقه الأرضي والنقوش الجبسية. أهمل القصر فيما بعد وخاصة في سنوات الثمانينات التي شهدت تصدع جدرانه وتضرر مرافقه بشدة، ما استدعى تدخلا عاجلا من أجل رأب الصدوع وإنقاذه من السقوط، وكان أكثر مرفق متضرر أنذاك هو قبو القصر.
الباحث: الطيب عيساوي
المصادر:
عدة كتاب، تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين: الثوابت والمتغيرات، ص210.
https://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=8070&article=33042#.Xz1DUCgzbIU