القبة المرابطية: الشاهد الوحيد على عمارة المرابطين في مراكش

القبة المرابطية: الشاهد الوحيد على عمارة المرابطين في مراكش
القبة المرابطية: الشاهد الوحيد على عمارة المرابطين في مراكش
القبة المرابطية: الشاهد الوحيد على عمارة المرابطين في مراكش
القبة المرابطية: الشاهد الوحيد على عمارة المرابطين في مراكش

تمثل مدينة مراكش متحفا حيا لجل أنواع العمارة المغربية على مر التاريخ، كيف لا وهي الشاهدة على معظم السلالات التي حكمت المغرب، من مؤسسيها المرابطين والموحدين إلى المرينيين والسعديين والعلويين. وتعتبر القبة المرابطية المعلمة الدينية الوحيدة الباقية، التي خلفها المرابطون لتشهد على حقبتهم، وتقف القبة بشموخ في وسط مدينة مراكش العتيقة لتروي لنا قصتها وتكشف لنا أسرارها، بعد أن دمر الموحدون معظم مآثر سابقيهم المرابطين.

تتواجد القبة المرابطية التي تعرف أيضا بقبة الباروديين أو قبة السعديين في عمق المدينة العتيقة لمراكش، وهي مجمع أثري يوجد في الجهة الجنوبية من حي ابن يوسف، على مقربة من مدرسة ابن يوسف الشهيرة، وتجاور متحف مراكش. ترتفع القبة وسط صحن محاط بتسعة عشر ميضأة عمومية، وتعتبر أقدم هذه المعالم التاريخية المحيطة بها من كل جانب، لأنها أسست في القرن 12 ميلادي على يد السلطان علي بن يوسف المرابطي (1106 – 1143م)، وهي عبارة عن جناح تعلوه قبة، تحتضن صهريجا للمياه المخصصة للوضوء، وتشكل ملحقة لمسجد علي ابن يوسف، الذي أتى على ذكره كافة الإخباريين، واختفى منذئذ.

تم اكتشاف هذا المبنى الذي بناه المرابطون على الطراز الأموي الأندلسي من طرف الباحثين جاك مونيي وهنري تيراس سنة 1948 خلال الحفريات الأثرية التي أجريت بالموقع. وقد أظهرت عملية التنقيب أن هذه القبة التي كانت مطمورة تحت الأنقاض والخرائب، ولم تتم إزالة الأتربة عنها إلا في عامي 1952 - 1953 ميلادي، كانت تشكل جزءا من مسجد الأمير المرابطي علي بن يوسف الذي هُدم إثر سقوط المدينة في أيدي الموحدين سنة 1130.  وتمكننا النقيشة بالخط الكوفي التي تزين قاعدة القبة، رغم تعرضها للتشويه، من قراءة اسم السلطان علي ابن يوسف وهو ما يؤكد بناءها خلال فترة حكم المرابطين. 

يتكون المبنى من تصميم مستطيل يرتكز على أعمدة جانبية وتعلوه قبة مزخرفة من الخارج بأقواس منحوتة تعلوها شاريات تؤطر نجمة سباعية الأضلاع. وتضم القبة بمخططها المستطيل (طولها 7.30 أمتار وعرضها 5.50 أمتار)، مستويين متمايزين بوضوح، ويفصل بينهما على ارتفاع حوالي خمسة أمتار شريط زخرفي رقيق أملس وقليل البروز. تتكون الزوايا الخارجية للمستوى الأول من أربعة دعامات متينة، وفتحت واجهاته على كل جانب من جوانبه الكبيرة بعقدين مزدوجين ومتجاوزين ومفصصين، وبعقد مفصص على كل واحد من جوانبه الصغرى. وينتهي المستوى الثاني بإفريز أملس، له شرافات متدرجة. وقد كانت واجهات هذا المستوى مفتوحة، على الأقل بستة عشر عقداً متنوعة الأشكال: منكسر متجاوز، مقوس وذي قويسات (خمسة عقود على كل واجهة كبيرة وثلاثة على كل واجهة صغيرة).
توج المركب بأكمله بقبة من الآجر، مزخرفة بأشكال عقود صغيرة وأشرطة زخرفية متشابكة، ومن زخارف متكسرة، تحيط بنجمة من سبعة رؤوس. وتنير الفتحاتُ العاليةُ الأجزاءَ الداخلية العليا، إذ يلاحظ أن المخطط المستطيل الأساسي تم تحويله إلى مخطط مربع بواسطة عقود نصف دائرية، تتجاوز العقود الموجودة في جهات عرض المخطط.

الزخرفة الداخلية للقبة ترتكز بشكل أوضح على الجزء الأعلى منها، وتقل الزخارف في الجزء السفلي. تجمع هذه الزخارف بين ما هو هندسي وكتابي ونباتي، بحيث تحضر الزخرفة الهندسية في عقود القبة وتعريقاتها وفي الشريط الكتابي الغني بزخارف المشبكات، الذي يعلو إفريز الزخارف الكتابية، وفي الحنيات الركنية للقبة المزينة بالمقرنصات. كما تتسم الزخرفة الزهرية، المتواجدة على الألواح الكبيرة المتطاولة للقبة، وعلى الحنيات الركنية، بغنى وكثافة وبراعة في التنفيذ، بحيث تعطي الانطباع أنها عبارة عن تدفق حقيقي مذهل لأشكال نباتية.

كانت للقبة وظيفة لها علاقة بالوضوء حسب ما كشفت عنه الحفريات التي أجريت بالمكان، وأسفرت عن عن وجود بركة مائية وقنوات لجلب الماء إليها تعود كلها لفترة بنائها، وكذا ميضأة مؤرخة بفترة حكم علي بن يوسف، وتنتمي للمسجد الذي بناه الأمير المرابطي وتعرض للهدم فيما بعد على يد الموحدين.

تتميز الإطارات التي تحيط بالقبة من كل جانب بوجود نقيشة كتابية على الجبس، على ارتفاع خمسة أمتار من الأرضية، وبها معلومات حول تأسيس البناية، وهي أقدم نقيشة كتابية كتبت في المغرب بحروف نسخية. ويرجح أن الموحدين قد حطموها أثناء الاستيلاء على مراكش، ولم يتبق منها إلا تمجيد للموصي بالمعلمة، علي ابن يوسف. وقد كان تاريخ التأسيس منقوشاً أيضاً ضمنها، لكن تتعذر قراءته كاملا إلا جزءا منه: "يوم الربيعة، اليوم الأخير من شهر ربيع الأول". ولاتوجد السنة. ونظراً لأن القبة كانت ملحقة بالجامع، حيث التقى علي ابن يوسف بزعيم الموحدين يحيى ابن تومرت في عام 541 هجري / 1120 ميلادي، فمن البديهي أن البنايتين قد تم بناؤهما مابين تاريخ تنصيب علي ابن يوسف وتاريخ هذا اللقاء. وعليه فإن اليوم الأخير من شهر ربيعة وقع مرتين خلال هذه الفترة: الأول في عام 503 هجري / 1109 ميلادي والثاني في عام 511 هجري / 1117 ميلادي. ويبدو أن هذا التاريخ الأخير أكثر معقولية، إذا ما اعٌتبر أن بناء الجامع وملحقاته ( القبة والنبع والخزان والحمام)، لم ينته إلا في السنوات الثلاث بعد تنصيب علي ابن يوسف.

تبقى القبة المرابطية الشاهد الوحيد على المعمار المرابطي في مدينة مراكش، بحيث تنفرد بكونها المعلمة الوحيدة التي تعطينا لمحة عن فن المعمار آنذاك. فقد قاومت يد الهدم الموحدية، وعوامل الزمان وتقلبات الطقس، لتصر على التأريخ لحقبة مهمة جدا من تاريخ المملكة المغربية الشريفة.

بقلم الباحث: الطيب عيساوي

المصادر:

https://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=monument;isl;ma;mon01;3;ar

https://www.qantara-med.org/public/show_document.php?do_id=781&lang=ar