أول مسجد بحاضرة فاس: مسجد الأشياخ المنسي

أول مسجد بحاضرة فاس: مسجد الأشياخ المنسي

إذا سألت أهل فاس أو زوارها عن أهم المعالم الدينية لمدينة فاس، قد تمل وهم يحصون لك عددها، وعلى رأسها جامع القرويين، وجامع الأندلس، وضريح مولاي إدريس، وزاوية سيدي أحمد التيجاني... إلا أنهم حتما سينسون ذكر أقدم بقعة مقدسة إسلامية في مدينة فاس، والتي لا تقام فيها الصلاة اليوم ولا تدخل ضمن المدارات السياحية بمدينة فاس، ونقصد هنا "جامع الأشياخ".

عرف "جامع الأشياخ" بأسماء عديدة، كجامع "الأنور" و"النور" أو جامع "الأنوار"، وهو جامع عمره إثنا عشر قرنا، يوجد بأعلى "عقبة الصفاح" برحبة الدجاج في حومة جرواوة بباب الفتوح، في مدخل زنقة سيدي بوجيدة. ويقول روجي لوطورنو في كتابه الشهير "فاس قبل الحماية" أن "الأشياخ" هم أعيان قبائل البربر الذين كانوا أول من سكن عدوة الأندلس (قبل مجيء الأندلسيين)، ونقصد هنا أصحاب إدريس من قبيلة أوربة (الذين رافقوه إلى فاس) وأفراد قبيلتي زواغة وبني يرغش اللتان اشترى منهما المولى إدريس الأرض التي بنى عليها مدينة فاس.

عندما شرع المولى إدريس في بناء مدينة فاس، وكانت عدوة الأندلسيين هي أول ما بني، بنى بها جامعا برحبة البئر وهو المعروف بجامع "الأشياخ". وبعد أن شرع في بناء عدوة القرويين بنى بها جامعا كذلك، وهو المعروف بجامع "الشرفاء"، الذي كانت تقام فيه الخطبة.

تجمع المصادر على أن مسجد الأشياخ هو أقدم مسجد بني بحاضرة فاس، وكانت تقام به صلاة الجمعة وخطبتها على امتداد الفترة الإدريسية، وكان أول خطيب خطب به هو الفقيه الصالح علي بن محمد الصدفي. قبل أن يقرر حامد بن حمدان الهمداني عامل عبيد الله الشيعي على المغرب، نقل الخطبة إلى مسجد الأندلس بنفس العدوة، وذلك سنة 321هـ. 

غابت نقوش وزخارف جامع "الأشياخ" اليوم، فقد اختفقت معظم معالمه، وصار مهملا لدرجة كبيرة يصارع النسيان، حتى أن معظم سكان مدينة فاس لا يعرفون عنه شيئا، فما بالك بزوارها أو الغرباء عنها. هذا الكنز التاريخي الذي يعتبر جزءً من تاريخ مدينة حفيد رسول الله، وتراثا ثقافيا ودينيا ذو قيمة تاريخية مهمة، لم تعد تقام به الصلاة منذ قرون، وتجاوره مقبرة صغيرة للأدارسة.

الباحث: الطيب عيساوي

المصادر:

علي الجزنائي، جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس، ص 25 و109.

روجي لوطورنو، فاس قبل الحماية، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، ص 69.

علي بن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، ص38 و54.

عبد الواحد بن عبد السلام الفاسي، الخطبة والخطباء بفاس، دار الكتب العلمية، ص 66.

http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/1200